الأماكن العامة المؤهلة قد تشكل دفعاً قوياً للشمول الاجتماعي والتعافي الأكثر استدامة في مدن العراق المتضررة من الحرب

يعكس هذا النص بعض ما يقوم به برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) ضمن برنامج دعم تعافي العراق واستقراره عبر التنمية المحلية، الذي يموّله الاتحاد الأوروبي وينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

9 فبراير 2021

مع بداية فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة أثناء الليل، أوقف برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية حتى فصل الربيع نشاطات تخطيط المناظر الطبيعية في منتزه اليرموك للتركيز على تركيب أعمدة إضاءة تعمل بالطاقة الشمسية على طول الجدار المحيط وتخطيط نظام الري الجديد. ينظر الأطفال غير القادرين على الذهاب إلى المدرسة بسبب الجائحة الصحية بفضول من الجانب الآخر للسياج إلى الجرافات التي تجهز الخنادق والشاحنات التي تنقل التربة عبر المنتزه. ويتحدى العدّاؤون المنفردون الهواء البارد في الصباح للتدرّب على طول الطريق الذي سيضمّ العام المقبل حلبة جري جديدة مصنوعە من الترتان.

كانت الموصل، حتى قبل الإطاحة بمقاتلي "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" الذين تسببوا بدمار جزء كبير من مباني المدينة والبنى التحتية الأساسية، تفتقر إلى المساحات الخضراء العامة. تبلغ مساحة منتزه اليرموك 67000 متر مربع، وهي واحدة من أكبر المساحات العامة في الساحل الأيمن للموصل، المدينة المعروفة بمحدودية المساحات الخضراء البالغة 1.4 متر مربع للفرد الواحد، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بحد أدنى قدره 9 أمتار مربعة لكل شخص. بفضل ممراته الواسعة ومناظره المفتوحة، كان المنتزه قبل عقود قليلة مكاناً عاماً مزدهراً، يشتهر بأشجار النخيل والصنوبر العالية، وصفوف الزهور الملونة والأراضي المفتوحة الكبيرة. يذكر العديد من السكان الأكبر سناً، الذين تمت استشارتهم خلال تقويم أجري في عام 2019، بفخر كيف كان كثير من أفضل لاعبي كرة القدم في الموصل يتدربون في منتزه اليرموك. ومن المؤسف أن سوء الصيانة الذي أعقبته معاناة الناس الشديدة في ظل سيطرة "تنظيم الدولة الإسلامية" على المدينة، أدى إلى خراب تدريجي لمنشآت المنتزه ونهب معدات بنيته التحتية جميعها وقطع معظم الأشجار لاستخدامها كوقود.

إنّ إعادة تأهيل منتزه اليرموك كمساحة عامة متعددة الأغراض عنصر حاسم في المشروع المحلي المتكامل الذي يموله الاتحاد الأوروبي وينفذه في غرب الموصل برنامج المستوطنات البشرية (في إطار برنامج دعم تعافي العراق واستقراره عبر التنمية المحلية الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، ويهدف إلى استعادة الخدمات العامة الأساسية التي تعطلت بسبب الحرب والنزاع . بمجرد اكتمال المشروع ، سيخدم المنتزه ما لا يقل عن نصف مليون شخص يعيشون في الساحل الأيمن.

في ظل هذا الطموح، قاد الفريق خلال الأشهر الثلاثة الماضية بناء ثلاثة ملاعب رياضية جديدة متعددة الأغراض ومساحة رياضة في الهواء الطلق، وأصلح الجدار والبوابات، وأعاد تأهيل غرف الحراسة المتضررة، وحفر بئراً جديداً، وركّب عشرة صهاريج كبيرة لتخزين المياه للري تغذيها مضخات مياه تعمل بنظام الألواح الشمسية الجديد. حتى الآن، وفرت أعمال البناء هذه 236 فرصة عمل للسكان العاطلين عن العمل في المنطقة (بينهم 10 نساء)، تم تعيينهم على أساس قائمة أعِدّت بالتنسيق مع بلدية قطاع الربيع المسؤولة عن المنتزه.

عند انتهاء ملعب كرة القدم والملعب متعدد الرياضات، أطلق برنامج المستوطنات البشرية في تشرين الثاني (أكتوبر) 2020 مبادرة "شباب اليرموك الرياضي من أجل السلام" لمدة 15 يوماً، تضمنت بطولة دوري كرة القدم إضافة إلى مباريات كرتي السلة والطائرة والتايكواندو وسباقات الجري بين 200 طفل من الحي. وقال متفرج كبير السن أثناء مشاهدة إحدى مباريات كرة القدم في الملعب الجديد: "هذا أكثر ما استمتعنا به منذ سنوات!".

نظراً إلى الجائحة المستمرة، اتخذت التدابير الصحية الوقائية على محمل الجد. إضافة إلى تقليص عدد الحاضرين للمباريات إلى 125 طفلاً وبالغاً كحد أقصى يومياّ وفرض إجراءات احترازية صارمة للتباعد الاجتماعي بين المتفرّجين، وفّر الفريق نقطة لفحص عوارض فيروس كورونا وخيمة إسعافات أولية جيدة التجهيز.

من المعروف أنّ الرياضات الجماعية وألعاب القوى توفر أداة قوية لتعزيز الروابط والشبكات الاجتماعية، والتغلب على غياب الثقة، والتواصل رغم الانقسامات السياسية والاختلافات العرقية والدينية. تعتبر النشاطات المشتركة والتفاعلية فاعلة خصوصاً للشباب الذين نشأوا في بيئة من التعصّب والنزاع، حيث يعتبر التنوع تهديداّ وقد يصبح الشباب المحرومون عرضة للصور النمطية السلبية ويتأثرون بالتطرف السياسي والديني العنيف. تساعد الرياضة أيضاً على بناء الروابط بين الشباب من خلفيات وقدرات بدنية مختلفة ويمكن أن تؤدي إلى تحول حقيقي.

في غضون ذلك، أعلن برنامج المستوطنات البشرية إطلاق تدريب وفرص عمل في البستنة للعاطلات عن العمل في المنطقة. من بين 410 طلب، تم تسجيل 30 من المرشحات الأكثر ضعفاً والأنسب في دورة تدريبية مكثفة في مجال البستنة لمدة 10 أيام. العديد منهنّ أرامل معوزات تعيش عائلاتهن على الأعمال الخيرية والطعام الذي يقدمه المسجد المحلي. قالت نفلة محمد علي: “كنت عاطلة عن العمل، جالسة في المنزل مكتئبة بلا خطط. أعاد هذا التدريب الأمل في حياتي. تعلمت مهارات جديدة ستساعدني في العثور على وظيفة في المنتزه أو مكان آخر". نظمت الدورة، التي دمجت جلسات نظرية وتطبيقية عقدت داخل المنتزه، الجمعية الهندسية للتنمية والبيئة، وهي منظمة محلية غير حكومية شريكة. قدم الجلسات خبراء محليون اختيروا بعناية، في طليعتهم المحاضر في كلية الزراعة والغابات في جامعة الموصل حسام الدين ثنون، الذي كان حماسه واضحاً لهذا الموضوع. استذكر السيد ثنون الماضي قائلاً: "كان هذا التدريب مميزاً جداً بالنسبة إلي. أتيحت لي الفرصة لدعم بعض السيدات الطموحات. تمكننا من تصميم الجلسات بطريقة تناسب مجموعة من المستويات التعليمية، بما في ذلك مستوى قليل من الأميات".

بمجرد انتهاء التدريب، وظفت 30 بستانية للعمل بالتناوب تحت اشراف رئيس مديرية الغابات في نينوى ياسر صالح البدراني. في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، زرعن أكثر من 260 شجرة جديدة، بينها 45 شجرة نخيل عراقية وواشنطونیا، وأشجار سرو محلية، ورمان وياسمين وشجيرات. تعاون برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية مع بلدية الموصل ومديرية الزراعة في نينوى لاختيار أكثر النباتات ملاءمةً وقوةً لهذه المنطقة، وذلك لإنشاء مزيج من حلول تخطيط المناظر الطبيعية للبيئات الخضراء والقاحلة - بما في ذلك بعض النباتات لامتصاص مياه الأمطار الزائدة من الركود في القسم السفلي من المنتزه. صرحت المسؤولة عن التشبيك المجتمعي في برنامج المستوطنات البشرية على مدى السنوات الأربع الماضية، والتي أشرفت عن كثب على إنشاء "واحة" النخيل الجديدة في منتزه اليرموك، السيدة شهلا فيصل: "كان بدء زراعة النخيل مثيراً للغاية، لدرجة أنني لم أرغب في العودة إلى المنزل في المساء”.

لا تزال المساحات العامة المفتوحة المصمّمة خصيصاً لتكون "متاحة للجميع" قليلة في العراق. سيعمل التصميم الجديد لمنتزه اليرموك على تحسين إمكانية الوصول والراحة والسلامة للأشخاص من جميع الأعمار والقدرات – بمن فيهم كبار السن. وسيعمل البرنامج أيضاً على توفير فرص للأطفال والشباب والبالغين من ذوي الاحتياجات الخاصة للقيام بنشاطات بدنية في الهواء الطلق في بيئة آمنة ومرحبة. لمناسبة اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، في 3 كانون الأول (ديسمبر) 2020، استضاف المنتزه حدثيْن رياضييْن ودييْن شارك فيهما فريق الكرة الطائرة الشهير في الموصل، المعروف باسم "اللاعبين الجالسين"، وفريق كرة القدم المشهود من اللاعبين ضعاف السمع والنطق، المعروف باسم "الأبطال". بمجرد الانتهاء، سيضم منتزه اليرموك ملاعب للأطفال والشباب، بمن فيهم الصغار وذوو الاحتياجات الخاصة. يعد إدراج هذه الفئات شرطاً أساسياً لدعم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة والسلام والأمن. كما أنه محوري لوعد أجندة التنمية المستدامة 2030 بـ"عدم ترك أي أحد خلف الركب". بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، إن التزام حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق ليس مسألة عدالة فقط، بل كذلك استثمار في مستقبل مشترك.

يروج المشروع لنهج "إعادة البناء بشكل أفضل"، الذي يعتمد تقنيات أكثر مراعاة للبيئة، بما فيها الطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، واستخدام مواد محلية تنتج في العراق، ونشاطات شاملة اجتماعياً تقام في الهواء الطلق. كما ستوفر أماكن مخصصة للخدمات التجارية، مثل الكافتيريا ومحلات الوجبات الخفيفة وتأجير الدراجات وما إلى ذلك.

حتى الساعة، نجح برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية في تأمين التزام سياسي قوي من السلطات المحلية ووضع رؤية مشتركة حول قيمة الأماكن العامة التي يمكن الوصول إليها بسهولة ومجاناً، كأحد أهم الأصول الحضرية التي ستسهم في الدمج الفعلي والاجتماعي في مرحلة ما بعد النزاع، حيث تسلم إدارة العديد من المناطق الخضراء إلى القطاع الخاص بسبب ندرة الموارد المتاحة للسلطات المحلية.

أشرك البرنامج بلدية الموصل منذ بداية المشروع عبر إنشاء لجنة فنية مخصصة مهمتها دعم إعادة التأهيل، ومراجعة خطط المشاريع واعتماد التصاميم، والموافقة على فاتورة الكميات، والمساعدة في حل المشكلات أثناء المشروع. وصرح نائب رئيس بلدية الموصل لشؤون الخدمات محمد عبد الله: "نقدّر حقاً النشاطات والمبادرات التي تشارك فيها المرأة، وتعزز مهاراتها ودورها في إعادة إعمار المدينة ومنشآتها العامة".

***

يهدف برنامج دعم تعافي العراق واستقراره عبر التنمية المحلية إلى المساهمة في الاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية عبر تحسين الحوكمة الرشيدة على المستوى المحلي. ويعمل على تطوير قدرات محافظات مختارة لإدارة الحكومة المحلية والخدمات العامة بكفاءة. ويعطي البرنامج الأولوية للنمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل، مع التركيز على مشاريع خضراء وإشراك المرأة والشباب.

لتنزيل الوثيقة التعريفية بالبرنامج اضغطوا هنا.

#نحوالتنميةالمحلية

لمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال:

 

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق

نداء هلال، كبيرة المستشارين للإعلام والتواصل

هاتف:  0799 745 751 00964

برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية

أريان محي الدين الجمور،  مسؤول التواصل، برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية

هاتف:  9494 103 0751 00964

بعثة الاتحاد الأوروبي لدى العراق

الصادق العادلي، مسؤول الصحافة والإعلام

هاتف: 5377 928 780 00964